الصحبة الصالحة

نَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...





الصحبة الصالحة




هنـــاك مثل مشهور يقول:« قل لي من صاحبك أقل لك من أنت » .. وهذا مصداقاً لقول الشاعرعدي بن زيد:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

قَال رسول الله :صلى الله عليع وسلم ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ) حسنه الألباني ..

قَال العلَماء :معناه لا تخالل إِلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه .. وقالوا : علَيك بصحبة أَهل الخير ممن تسلم منه في ظاهرك وتعينك رؤيته على الخير ويذكرك الله .. فالإِنسان موسوم بسمات من قارب ، ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب .. عليكم بإِخوان الصدق فَإِنهم زينة فِي الرخاء وعصمة في البلاء .

وعاشر أولي التقوى تنل تقواهم ولا تصحب الأردي فتردى مع الردى


المسلم مرآة أخيه

والمسلم مرآة أخيه .. إن رأى منه خيراً زكاه وإن رأى شراً نهاه ..وبالمعنى قيل: صديقك من صدقك لا من صدقك ، أى من صدقك القول وأرشدك النصيحة لا من من أمن كل أقوالك وامتدح كل أفعالك .. يقول الحسن البصري :إلى من يشكو المسلم إذا لم يشك لأخيه المسلم ؟ ومن الذي يلزمه من أمره مثل الذي يلزمه ؟ إن المسلم مرآة أخيه المسلم يبصره عيبه ، ويغفر له ذنبه .

يقول سعيد بن جبير :رحم الله رجلاً أهــدى إلى عيوبي ..

وكان السلف يلقى أحدهم الآخر فيقول:يا أخي ما كل ذنوبي أبصر ، ولا كل عيوبي أعرف ، فإذا رأيت خيرا فمرني ، وإن رأيت شراً فانهني .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:رحم الله عبداً وقف على سهو أو خطأ من أخيه فأصلحه عاذراً لا عازلاً ومنيلاً لا نائلاً فليس المرء بعيداً عن الخطأ إلا من وقى الله سبحانه وعصم .

قال حاتم :إذا رأيت من أخيك عيباً فإن تكتمه فقد خنته ، وإن قلته لغيره فقد اغتبته ، وإن واجهته به فقد أوحشته فقيل له : كيف أصنع ؟ فقال : تكنى عنه ، وتعرض به ، وتجعله في جملة حديثك .

وما أجمل قول الإمام الشافعي :
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه



حسن الظن

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليع وسلم يقول : ( إياكم والظن ! فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) متفق عليه

• فإذا بلغك عن أخيك شيئ تكرهه فالتمس له الأعذار فإن لم تجد فقل : لعل له عذراً لا أعرفه .

• الإمام الشافعي رحمه الله .. وقد دخل عليه تلميذه الربيع بن سليمان في مرض موته فقال : قوى الله ضعفك يا إمام فقال الشافعي : انظر ماذا تقول ! لو قوى الله ضعفي لقتلني . قال الربيع : والله ما قصدت يا إمام . قال الشافعي : والله لو شتمتني لعلمت أنك لم تقصد .



الإيثار

الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته،

قال رسول الله :صلى الله عليع وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه ..

وقال تعالى: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } الحشر 9.

ولنا فى الصحابة والتابعين أسوة حسنة

• يقول الصديق أبى بكر رضى الله عنه: كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا، وفى خيمة أم معبد حلبت وجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول وقلت له : اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي حتى ارتويت .

• انطلق حذيفة العدوى في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له، ومعه شربة ماء. وبعد أن وجده جريحًا قال له: أسقيك؟ فأشار إليه بالموافقة. وقبل أن يسقيه سمعا رجلا يقول : آه، فأشار ابن عم حذيفة إليه؛ ليذهب بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم، فذهب إليه حذيفة، فوجده هشام بن العاص .. ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلا آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء، فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات. فقد فضَّل كلُّ واحد منهم أخاه على نفسه، وآثره بشربة ماء .

• الأنصار يعرض أحدهم على أخيه من المهاجرين أن يناصفه أهله وماله فيأبى المهاجر ويقول: " بارك الله لك في أهلك ومالك ".

• مرض قيس بن سعد بن عبادة فتأخر إخوانه عن زيارته فسأل عنهم، فقيل له: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فيقول: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة. ثم أمر منادياً ينادي: من كان لقيس عليه مالٌ فهو في حل . فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة الزوار.

يقول الإمام أحمد : لو أنَّ الدنيا جمعت حتى تكون في مقدار لقمة ثمَّ أخذها امرؤ مسلم فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفا ... وكان الإمام أحمد يقول:إنِّي لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي .



موعظة

• وعظ بعضهم ابنه فَقَالَ له: إياك وإِخوان السوء ، فَإِنهم يخونون من رافقهم ، ويفسدون من صادقهم ، وقربهم أعدى من الجرب ، ورفضهم والبعد عنهم من استكمال الأَدَب والدين والمرء يعرف بقرينه ، قال : والإِخْوَان اثنان فمحافظ عَلَيْكَ عَنْدَ البَلاء ، وصديق لك في الرخاء ، فأحفظ صديق البلية ، وتجنب صديق العافية فَإِنَّهُمْ أعدى الأعداء .

• وأوصَى بعضهم ابنَه لَما حَضرته الوفَاة فَقَال: يا بنِي إِذَا أَردت صِحبة إنسان فاصحب من إِذَا خدمتَه صانَك ، وإن صَحِبته زانك ، اصحب من إِذا مددت يدك للخَير مدها ، وإن رأى منك حسنة عدها ، وإن رأَى منك سيئَةً سدها .اصحب مَن إِذَا حاولتَ أَمراً أَعَانَك ، وَنصَرَك ، وإن تَنَازَعتما فِي شَيء آثرك ، فَإِن يسرَ اللهُ لََكَ بِصَاحب مِن هَذَا الطرَاز فاستمسك بِغَرزه .

فعليك بصحبة من إذا صادقك صدقك وصدقك وإذا صحبك قربك وإذا أحتجت إليه وجدت قلباً مفتوحاً ويدين ممدودتين والحذر من إخوان السوء من إذا صحبتهم خانوك وإذا صادقتهم أفسدوك وإذا رافقتهم لم يصونوك .



الطيور على أشكالها


• قَال بعض الحكماء: كل إنسان إِلَى شكله كما أن كل طير يطير مَعَ جنسه .. قيل : إن إياسًا سافر إِلَى بلد فَلَما وصل وصادف بعض أَهل البلد وجرى بينهم كلام قَال إلياس : عرفنا خياركم من شراركم فِي يومين؟ فقِيْل لَهُ : كيف؟ قَالَ : كَانَ معنا خيارنا وشرارنا فلحق كلّ بشكله خيارنا لحقوا بخياركم وشرارنا لحقوا بشراركم فألف كل شكله . أ .هـ .

• كَان مالك بين دينار يقول: « لا يتفق اثنان فِي عشرة إِلا وفي أحدهما وصف عن الآخِر ، وأن أجناس الناس كأجناس الطير ولا يتفق نوعان من الطير فِي الطيران إِلا وبينهما مناسبة » . قَالَ : فرأى يَوماً غراباً مع حمامة فعجب من ذَلِك فقَال : اتفقا وليسا من شكل واحد ، ثم طارا فإذا هما أعرجان فقَال : من ها هنا اتفقا .



أحب الناس إلى الله

أحب الناس إلى الله من يكن حريصا على منفعة الناس .. من يدخل البهجة والسرور عليهم .. من ينفث عنهم أحزانهم وآلامهم .. من يمشى في مصالحهم ويقضى حوائجهم .. من يكتم غيظه ويكف غضبه ..
يقول : ( أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ يدخله على المسلم ، أو يكشف عنه كربة أو يقضى عنه دينا ، أو يطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهراً ، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ، ولو شاء أن يمضيه أمضه ، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام ، [ وإن سوء الخلق يفسد العمل ، كما يفسد الخل العسل] ) الصحيحة 906

وماتقضيه من عمل صالح فى الدنيا يكون ذخراً لك يوم القيامة عند مليك مقتدر سواء وقفت جانب مؤمن فى ضرائه فسهلت عليه أوكنت عوناً لأخيك المؤمن أو يسرت على ذى حاجة فقضيتها كان الله جانبك وفى عونك يوم القيامة ..

يقول : ( من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عن كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسَّر على مُعْسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب اله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) أخرجه مسلم DVD Rentals

يقول ابن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته معروف إلا أضاء ما بينه وبيني ، ولا رأيت رجلاً فرط لي منه شئ إلا أظلم ما بيني وبينه .. قالوا : صاحب المعروف لا يقع وإذا وقع وجد متكأ .



حقوق الأخوة

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تمار حليماً ولا سفيهاً فإن الحليمَ يقليك والسفيهَ يؤذيك, واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به, وَأعْفِهِ مماتحب أن يعفيك منه,وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به .

وصدق ابن المبارك لما جاءه الرجل يغتاب مسلماً فقال له : أغزوت الروم ؟ فقال : لا قال : أغزوت الفرس ؟ فقال : لا قال : أغزوت الهند والسند ؟ قال : لا .. قال : سلمت منك فارس والروم والهند والسند ، ولم يسلم منك أخوك المسلم .



تفكر

عن أَبِي ذر أنه قَال:الصَاحب الخَير خير من الوحدة ، والوحدة خَير من جلَيس السوء ، ومملي الخَير خَير من الساكت ، والساكت خَير من مملي الشر .

يقول رجاء بن حيوة ( وزير عمر بن عبد العزيز): من لا يؤاخى من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لا يرضى من صديقه إلا بإخلاص له دام سخطه ، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه .

قال يحيى بن معاذ‏: بئس الصديق أن تعيش معه بالمداراة، أو تحتاج أن تعتذر إليه‏.


إختيار الصديق

قال : مالك بن دينار: وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا وصاحب شرار الناس يوما فتندما ..

فيجب أن يختار المرء صديقه بعناية فلا يركن إلى صديق أحمق أو صديق جاهل .. بل يختار من شيمته الإخلاص والوفاء والامانة .. فلا يتخلى عنه وقت الشدة .. فالشدائد تظهر معادن الرجال كما يقول الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوى من صديقى

قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه‏:‏ عليك بإخوان الصدق تعش فى أكنافهم، فإنهم زينة فى الرخاء وعدة فى البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يقليك منه، واعتزال عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك،واستشر فى أمرك الذين يخشون الله تعالى‏.‏

فعليك أخى وكما قيل ألا تصاحب إلا من إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكرك .



أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصحبة الصالحة وأن يمن علينا بفضله وأن يجعلنا من الصالحين عنده فلا ترى أعيننا ولا قلوبنا إلا خيراً إنه ولي ذلك والقادر عليه.



لا تنسونا من دعائكم الصالح

الصحبة الصالحة

الصحبة الصالحة

شكرا على المرور
الطيب